عند قراءتي للأبحاث الأجنبية، التطبيقية منها والتجريبية، وجدت اهتماماً وحرصاً على تضمينها بإحصائيات وأرقام ورسوم بيانية، في حين خلت الأبحاث العربية من هذه الأرقام والرسوم البيانية. وقد يعود ذلك إلى غياب الشفافية في المؤسسات الحكومية العربية، وربما يكون غيابها غير مقصود، نتج عن عدم اهتمام هذه المؤسسات بالإحصائيات النوعية والبحثية.
عند قراءتي لكتاب Medical malpractice litigation وجدته مليئاً بالرسوم البيانية والإحصائيات الطبية، التي تتناول الأخطاء الطبية في مختلف الولايات، ووجدت مستوى النقد فيه يتجاوز توقعاتي، ووجدت التوصيات التي تبنى على هذه الإحصائيات والأرقام وليس على التنظير والآراء المرسلة.

للإحصائيات النوعية فوائد جمة، ومنافع عديدة، تعود على الدراسات والأبحاث وحل المشكلات، فبدون هذه الأرقام لا يمكن للمؤسسات الوقوف على الإشكاليات فيها وتحديدها تمهيداً للبحث عن حلول مناسبة لها. وما يلاحظ من مؤسساتنا الحكومية وغير الحكومية في الدول العربية، بوجه عام، هو عدم اهتمام بالإحصائيات فضلاً عن مشاكل أرشفة البيانات، وبالتالي عدم تمكنها من تحديد المشاكل أولاً لدراسة أسبابها ثم لإيجاد حلول لها، مما يؤثر على تطوير ادائها وتحسنها وحسن سير العمل بها.
لذا يتعين على المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية وكذلك المؤسسات التعليمية والبحثية والصحية الاهتمام بالإحصائيات النوعية، كإحصائيات الأخطاء الطبية علاجية المنشأ (منبتة الصلة بالحالة المرضية السابقة للمريض) التي كان من الممكن تفاديها، وغيرها من حقول ومجالات علمية، ونشرها للعامة لتكون أساساً للبحوث والدراسات، فضلاً عن إمكانية تحليلها لحل الإشكاليات الإدارية والقانونية المتنوعة. كما يتوجب على المؤسسات الحكومية تقديم كافة أوجه التعاون مع المؤسسات التعليمية والبحثية، لتوفير إحصائياتها للباحثين وطلاب الدراسات العليا، الذين لا يمتلكون أدنى فرصة، دون معاونتهم، لإيجاد مثل هذه الأرقام التي تعينهم على دراساتهم وتوصياتهم لتعود بالنفع على هذه المؤسسات التي يمكن لها الاستفادة من أبحاثهم ودراساتهم لتطوير مؤسساتهم دون جهد أو تكلفة.