تواجهه العدالة الوظيفية عدد لا بأس به من تحديات تفرزها عادات مجتمعية ومجاملات إدارية، مما يؤثر على أداء المتميزين والمجتهدين في الوظيفة الإدارية، الأمر الذي ينعكس سلباً على الاداء الوظيفي بشكل عام.
ويثير ذلك عدة تساؤلات أهمها مدى إمكانية ضبط العدالة الوظيفية لتحقق الجودة المؤسسية. في الواقع يمكن اعتبار المجاملات والحرج الوظيفي أكبر تهديد للعدالة الوظيفية، وذلك في عدة مجالات: أهمها التعيين على أساس الكفاءة، والتقييم السنوي، وجدية المقابلات الشخصية للتعيين وغيرها.
وتنص المادة (٢) من قانون الموارد البشرية الصادر بالقانون رقم (١٥) لسنة ٢٠١٦ على أنه “تقوم الجهة الحكومية بالاستثمار الأمثل للموارد البشرية المتاحة بما يحقق أهدافها، وتطوير القدرات الفردية لموظفيها، وتوفير بيئة عمل آمنة وعادلة ومحفزة على العطاء المتميز والإبداع والابتكار والتعاون، وإشراك موظفيها في تطوير أنماط العمل بها”.
ومن ضرورات تطوير الاداء الحكومي التعيين على أساس الكفاءة، فتنص المادة (٨) من قانون الموارد البشرية على أن يكون الاختيار على أساس الجدارة، ويمكن الاستدلال بذلك عن طريق المعدل التراكمي للمتقدم، والمقابلة الشخصية، ودراسة السيرة الذاتية، واجراء اختبارات للتأكد من كفاءة المتقدم في الكتابة والفهم والتحليل.
وجدير بالذكر أن أبرز التحديات التي تواجه العمل المؤسسي صورية المقابلات الشخصية التي تجرى للموظفين في اجراءات التوظيف وغيرها، فالمقابلات الشخصية تعتبر أفضل فرصة لدراسة شخصية المتقدم، ومعرفة مدى جديته وكفاءته وصلاحيته للعمل في المؤسسة، والاستثمار الأمثل لها يكون عن طريق توجيه أسئلة للمتقدم تتعلق بخلفيته الأكاديمية والمهنية، ويفضل أن تكون الأسئلة الأكاديمية دقيقة تدخل في تفاصيل دراسته والموضوعات المفضلة لديه، ومناقشته فيها ليتضح طرحه ومدى إلمامه فيها، وذلك للتأكد من جدية دراسته في ظل انتشار المؤسسات التعليمية التجارية التي لا يكون لها سوى تأثير طفيف ومخرجات متدنية.
وعلاوة على ما سبق، يجب توجيه استفسارات مهنية في حال امتلاك المتقدم لخبرات في المجال المهني، ويتعين أن تكون أجوبة المتقدم دقيقة في خبراته المهنية بحيث يظهر استيعابه لها، حتى تتمكن الجهة من معرفة جديته في العمل وتقييم كفاءته وجدارته.
ولعل أبرز الإشكاليات التي تواجه العمل المؤسسي هو الحرج في التقييم السنوي للموظف، مما يجعل الكثير من المسؤولين يقومون بمنح أعلى درجة لجميع موظفيهم، الأمر الذي يساوي بين المتميز فعلاً والمتكاسل عن أداء عمله، فالمساواة أحياناً تؤدي إلى الظلم الوظيفي، وتدعو المتميز إلى التكاسل، مما ينعكس على جودة أداء المؤسسة، ولا يحقق الهدف من التقييم السنوي الذي وضعه قانون الموارد البشرية في المادة (٣٤) وهو تحفيز الانجازات الفردية وتعزيز روح الفريق.
بالمقارنة مع الشركات الخاصة وشبه الحكومية، نجد أن عملية الترقية عملية صعبة، لا يمكن أن يجتازها سوى نسبة قليلة من المجتهدين فعلاً. ولا يمكن لهم اجتياز مقابلات القبول أو الترقيات سوى باختبارات ومقابلات عسيرة، لتفرز أفضل المتقدمين ولا تجعل للمتهاونين سبيلاً.
إن العدالة الوظيفية تقتضي الجدية والحسم من المسؤول ليستمر المُجِدُّ في عطاءه بحيث يتميز عن غيره من موظفين لا يمتلكون مهارات إدارية أو جدية في العمل، والبعد عن المجاملات والحرج الوظيفي قد يكون أهم وسيلة في التطوير الفعال للأداء المؤسسي.
والله من وراء القصد.