تحاول التشريعات ضمان نوع من التوازن الدقيق الصعب بين حقوق المرضى والأطباء، فمن ناحية تسعى إلى حماية الأطباء من الدعاوى الكيدية والعبثية، ومن ناحية أخرى تحاول حماية المرضى من إهمال وتقصير الأطباء.
بيد أن المريض هو الطرف الضعيف، وبالتالي هو أحوج بالعناية والحماية من الطبيب، فالمريض لا يمتلك المعرفة الفنية، وقد يكون غائباً عن الوعي في عملية جراحية، لا يعلم ماذا جرى له، ومالذي ارتكب بحقه.
إن الطبيب لا يلتزم بشفاء المريض حسبما تقتضي القواعد العامة في القانون، إنما يلتزم ببذل عناية تتمثل في بذل جهد حسب الأصول المستقرة في علم الطب.
وبطبيعة الحال فإن الأصول المستقرة في علم الطب لا يعلمها إلا الطبيب، التي تستغرق دراسته فيها حوالي سبع سنوات بين علوم نظرية وتطبيقية.
والعلوم الطبية تمتاز بالتطور المتسارع والمخاطر المتزايدة، التي يصعب البت فيها، لذا يعتمد القضاة في دعاوى المسؤولية الطبية على الأطباء الخبراء، ويكون المعيار هو معيار طبيب في نفس اختصاص ودرجة الطبيب المدعى عليه.
ولا تنحصر إشكاليات المسؤولية الطبية في صعوبة إثباتها، بل تتضمن عدم وجود ثقافة مجتمعية، كما يقول بعض الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية بأن الكثير من الناس لا يعتقد بأن مشكلته قانونية من الأساس، بل يعتقد بأنها حظ سيء أو ما كتبه القدر، الأمر الذي يجعله لا يلجأ إلى محامي من الأساس لبحث مشكلته القانونية.
إضافة إلى ما سبق فإن البعض لا يثق بالنظام القضائي لاقتضاء حقه، ذلك أن التأخر في اجراءات الدعاوى وصعوبة إثبات الخطأ تجعل العديد من الناس يعزفون عن اقتضاء حقهم.
ولا تقتصر الأسباب على ما ورد بل إن البعض لا يمتلك الموارد الكافية لرفع دعوى للمطالبة بحقه، فقد أصبح التقاضي مكلفاً مما يؤدي إلى عزوف شريحة كبيرة من الناس عن المطالبة بحقوقهم.
والقانون يبقى حبراً على ورق عندما لا يطبق، وإذا لم يقم الافراد بالمطالبة بحقوقهم فلن تكون هناك فرصة لنظر القاضي في القانون، ولن تسنح له الفرصة في تطبيق النص ووضع المبادئ القضائية.
والله من وراء القصد.