توقيع المريض على ورقة إخلاء المسؤولية الطبية للطبيب!

قد تقوم إحدى الجهات الطبية بإلزام مريض بتوقيع نماذج عديدة قبل إجراء جراحة طبية، ويكون من بين هذه النماذج والأوراق إقرار منه بإخلاء مسؤولية المستشفى عن أية إصابات أو أضرار قد يتعرض لها المريض. فما حكم هذا الإجراء؟ وهل يمكن الاعتداد بها أمام القضاء لنفي مسؤولية مقدم الخدمة الطبية؟

ينظم القانون علاقات الأفراد في المجتمع ويوازن بين حقوق الأطراف، ويمنح الثقة للأطباء في مزاولة مهنتهم في مقابل إرساء الحماية للمريض؛ بحيث يكفل تعويضه عند تعرضه لضرر بسبب خطأ مقدم الخدمة الطبية.

وتنص المادة (١٩٩) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم (٢٢) لسنة ٢٠٠٤ على أن “كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”. وقد اعتبر القضاء القطري مسؤولية مقدم الخدمة الطبية مسؤولية تقصيرية؛ إذ يعد مسؤولًا عن عمل غير مشروع، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال المبادئ العديدة التي أرستها محكمة التمييز القطرية.

وبما أن القانون القطري يعتبر مسؤولية مقدم الخدمة الطبية مسؤولية تقصيرية، فلا يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية المدنية في المجال الطبي؛ إذ ينص البند الثالث من المادة (٢٥٩) من القانون المدني القطري على أنه “ويقع باطلاً كل اتفاق يبرم قبل قيام المسؤولية عن العمل غير المشروع، ويكون من شأنه أن يعفي منها كليًّا أو جزئيًّا”.

ووفق المادة السابقة، فإن القانون القطري يبطل أي اتفاق يعفي الطبيب من المسؤولية الناجمة عن خطئه، وإذا قام المريض بتوقيع إقرار بإخلاء الطبيب من مسؤوليته الطبية عن الأخطاء التي قد يرتكبها يكون الإقرار باطلًا ولا يعتد به أمام القضاء.

ويرى جانب من الفقه أن هذا الاتفاق غير جائز لتعلقه بالسلامة الجسدية؛ إذ لا يتصور أن يتفق المريض على جواز الإضرار بجسده، وبالتالي تكون مثل هذه الاتفاقات مخالفة للنظام العام؛ لأن حرمة الجسد من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على ما يخالف قواعده.

على أنه يجوز لمقدم الخدمة الطبية الاعتداد بورقة تفيد قيامه بالتبصير، عند توقيع المريض ورقة يقر فيها بقيام الطبيب بالتزامه بالتبصير، حيث تعد هذه الورقة دليلًا يمكن للطبيب تقديمه لإثبات قيامه بواجب التبصير بالعلاج المقترح والمخاطر التي تصاحب العمل الطبي والبدائل العلاجية الممكنة، وغيرها من أمور تتعلق بالتشخيص والعلاج، ذلك أن إخلال الطبيب بالالتزام بالتبصير قد يثير مسؤوليته المدنية في حالة وقوع ضرر ناجم عن إخلاله بواجب التبصير.

وينبغي للمريض أن يتأكد من قيام الطبيب بشرح وافٍ وسهل ومبسط للتشخيص والعلاج ومخاطر العلاج وأثر عدم مباشرة العلاج والبدائل العلاجية – إن وجدت – وغيرها من أمور تتعلق بالتدخل الطبي قبل قيامه بالتوقيع على إقرار طبي بعلمه لكل ما سبق؛ لأن توقيعه على مثل هذه الورقة دون قراءة متأنية قد يؤدي إلى ضياع حقوقه باعتباره راضيًا وعالمًا بالعلاج ومخاطره قبل تلقيه بخلاف الواقع، فعندما يدعي المريض عدم تبصيره أمام القضاء يمكن للطبيب تقديم الإقرار بالتبصير، ويصعب في أغلب الأحيان إثبات ما يخالف الكتابة في المحاكم.

والله من وراء القصد…

نُشر بواسطة Dr. Abdulla Al-Khaldi

دكتوراه في القانون الخاص، جامعة قطر. مهتم بالقراءة والكتابة ولدي منشورات محكّمة وغير محكّمة.

أضف تعليق