على هامش الممرات .. تجارب في القانون والإدارة

لا يمكن للقانوني أن يستغني عن الإدارة، والإدارة فن من فنون القيادة، وهي مهارة قد توجد بالفطرة وقد تكتسب بالتدرب الجاد والتمرس بالتجربة والتعلم.

وينبغي للقانوني الذي يسعى إلى دخول عالم القيادة أن يكتسب شيئا من هذه المهارات الإدارية، فمن دون هذه المهارات من الصعب النجاح في المهام القيادية.

وعلى الصعيد الشخصي، وجدت صعوبة كبيرة في بداية الأمر، إذ أن أغلب خبراتي في المجال القانوني والأكاديمي مع خبرات في الإدارة الأكاديمية، غير أن تجربة تولَّي المهام القيادية في المجال الحكومي أكسبتني خبرات غير مسبوقة مهنيًا وإداريًا.

وقد كانت الزيارات الخارجية أكثر فائدة لي مما كنت أتخيل، ولعل أكثر هذه المنافع جاءتني من الأحاديث الجانبية، وأتذكر – بهذه المناسبة – محاضرة للدكتور طارق السويدان كان يقول فيها إن ذاكرة المنظمات تنشأ، في الحقيقة، من الأحاديث في الممرات والاستراحات أكثر منها في الدورات والورش، فهذا يقول لآخر طريقة إجراء معاملة ما، وآخر يقول لزميله “فكرة على الماشي” تفتح بها آفاق المستمع، وهلما جرى. وكنت عندما ألتقي بنظرائي مديري المراكز والمعاهد القضائية العرب، أمطرهم بوابل من الأسئلة والاستفسارات حتى أحصل منهم على ما يشفي خاطري من إجابات تحمل في طياتها ممارسات تعزز الجودة وترقى بالعمل الإداري.

فعلى سبيل المثال، كنت أطرح العديد من الأسئلة على ممثل وفد المملكة العربية السعودية، حول الطريقة التي يتم فيها تصميم البرامج التدريبية وفق الاحتياج الفعلي ووفق البيانات والأرقام الإحصائية، في ظل عدم قدرة غالبية الجهات على تحديد احتياجاتهم الحقيقية، إذ أن المعمول به لدينا هو مخاطبة الجهات القانونية لموافاتنا باحتياجاتهم التدريبية، وفي كل عام يتم موافاتنا بذات الاحتياجات والموضوعات دون أدنى تغيير.

فقال لي إنهم تركوا مثل هذه الإجراءات، وتوجد لديهم الآن إدارة متخصصة في تصميم وتخطيط البرامج التدريبية، وهذه الإدارة تعقد ورش للجهات الحكومية والقضائية لا لتحديد الاحتياجات التدريبية، بل لتحديد الفجوات التي تتمثل في الأخطاء القانونية التي ترتكب في الجهات، والمهارات التي تحتاجها الجهة لكي تحقق أهدافها. إذ إن الفجوة هي الفارق بين الوضع الحالي والهدف المراد تحقيقه في المستقبل، ومن خلال تحديد الفجوة بدقة يمكن تحديد الاحتياجات الحقيقية بشكل دقيق وعلى نحو فعال. وكما يقال، “من طوَّل الغيبات جاب الغنايم”، كانت هذه الممارسات وهذه الأفكار غنيمة، بحق، يمكن الاستفادة منها في تطوير العمل الإداري، وتعزيز ممارسات الجودة التدريبية.

ختاماً، جزء كبير من عمل القانوني ينطوي على عمل إداري، والقانوني الحاذق ينمَّي مهاراته الإدارية مثل: مهارة إدارة الوقت، ومهارة تحديد الأولويات، ووضع الأهداف الاستراتيجية والتخطيط لتحقيقها.

كما أن الممارسات والتجارب المقارنة تفتح الآفاق وتعزز الخبرات، لذا ينبغي استثمار العلاقات والزيارات في طرح الأسئلة الصحيحة التي تتصل بتطوير العمل الإداري، أو تصحيح وضع قائم.

نُشر بواسطة Dr. Abdulla Al-Khaldi

دكتوراه في القانون الخاص، جامعة قطر. مهتم بالقراءة والكتابة ولدي منشورات محكّمة وغير محكّمة.

أضف تعليق