على هامش الممرات .. تجارب في القانون والإدارة

لا يمكن للقانوني أن يستغني عن الإدارة، والإدارة فن من فنون القيادة، وهي مهارة قد توجد بالفطرة وقد تكتسب بالتدرب الجاد والتمرس بالتجربة والتعلم.

وينبغي للقانوني الذي يسعى إلى دخول عالم القيادة أن يكتسب شيئا من هذه المهارات الإدارية، فمن دون هذه المهارات من الصعب النجاح في المهام القيادية.

وعلى الصعيد الشخصي، وجدت صعوبة كبيرة في بداية الأمر، إذ أن أغلب خبراتي في المجال القانوني والأكاديمي مع خبرات في الإدارة الأكاديمية، غير أن تجربة تولَّي المهام القيادية في المجال الحكومي أكسبتني خبرات غير مسبوقة مهنيًا وإداريًا.

وقد كانت الزيارات الخارجية أكثر فائدة لي مما كنت أتخيل، ولعل أكثر هذه المنافع جاءتني من الأحاديث الجانبية، وأتذكر – بهذه المناسبة – محاضرة للدكتور طارق السويدان كان يقول فيها إن ذاكرة المنظمات تنشأ، في الحقيقة، من الأحاديث في الممرات والاستراحات أكثر منها في الدورات والورش، فهذا يقول لآخر طريقة إجراء معاملة ما، وآخر يقول لزميله “فكرة على الماشي” تفتح بها آفاق المستمع، وهلما جرى. وكنت عندما ألتقي بنظرائي مديري المراكز والمعاهد القضائية العرب، أمطرهم بوابل من الأسئلة والاستفسارات حتى أحصل منهم على ما يشفي خاطري من إجابات تحمل في طياتها ممارسات تعزز الجودة وترقى بالعمل الإداري.

فعلى سبيل المثال، كنت أطرح العديد من الأسئلة على ممثل وفد المملكة العربية السعودية، حول الطريقة التي يتم فيها تصميم البرامج التدريبية وفق الاحتياج الفعلي ووفق البيانات والأرقام الإحصائية، في ظل عدم قدرة غالبية الجهات على تحديد احتياجاتهم الحقيقية، إذ أن المعمول به لدينا هو مخاطبة الجهات القانونية لموافاتنا باحتياجاتهم التدريبية، وفي كل عام يتم موافاتنا بذات الاحتياجات والموضوعات دون أدنى تغيير.

فقال لي إنهم تركوا مثل هذه الإجراءات، وتوجد لديهم الآن إدارة متخصصة في تصميم وتخطيط البرامج التدريبية، وهذه الإدارة تعقد ورش للجهات الحكومية والقضائية لا لتحديد الاحتياجات التدريبية، بل لتحديد الفجوات التي تتمثل في الأخطاء القانونية التي ترتكب في الجهات، والمهارات التي تحتاجها الجهة لكي تحقق أهدافها. إذ إن الفجوة هي الفارق بين الوضع الحالي والهدف المراد تحقيقه في المستقبل، ومن خلال تحديد الفجوة بدقة يمكن تحديد الاحتياجات الحقيقية بشكل دقيق وعلى نحو فعال. وكما يقال، “من طوَّل الغيبات جاب الغنايم”، كانت هذه الممارسات وهذه الأفكار غنيمة، بحق، يمكن الاستفادة منها في تطوير العمل الإداري، وتعزيز ممارسات الجودة التدريبية.

ختاماً، جزء كبير من عمل القانوني ينطوي على عمل إداري، والقانوني الحاذق ينمَّي مهاراته الإدارية مثل: مهارة إدارة الوقت، ومهارة تحديد الأولويات، ووضع الأهداف الاستراتيجية والتخطيط لتحقيقها.

كما أن الممارسات والتجارب المقارنة تفتح الآفاق وتعزز الخبرات، لذا ينبغي استثمار العلاقات والزيارات في طرح الأسئلة الصحيحة التي تتصل بتطوير العمل الإداري، أو تصحيح وضع قائم.

الحق في الحصول على المعلومة في المجال الطبي

من المعلوم أن التطوير المؤسسي يبدأ من الحصول على المعلومات اللازمة التي تتمثل في الإحصائيات والبيانات، والتي يتم تحليلها ودراستها فيما بعد، ثم إتاحتها للباحثين والأكاديميين لمزيد من البحث والدراسة. ومن البديهي أن حل أي مشكلة مجتمعية أو إدارية يبدأ من تحديدها ومعرفتها بدقة، ولا يمكن العمل على ذلك سوى من خلال البيانات والمعلومات والإحصائيات الدقيقة التي يتولاها الخبراء الإحصائيون والمحللون المتخصصون.

ومن هذه الإشكاليات التي لا يخلو منها أي مجتمع مسألة الأخطاء الطبية، التي لا يمكن دراستها ووضع الحلول لها إلا من خلال توفر البيانات والإحصائيات الدقيقة التي تلمس المشكلة الحقيقية.

ولعل القضاء شريك في تحسين جودة الطب من خلال تطبيقه للقوانين على المسائل المعروضة أمامه، ومن ثم وضع المبادئ التي تساعد في تطبيق القانون وتفسيره بالشكل الأمثل لمواجهة ظاهرة الأخطاء الطبية التي لا يخلو منها أي مجتمع؛ لذا يقع على عاتق وزارة الصحة العامة التنسيق مع القضاء لجمع البيانات الخاصة بما يقع من أخطاء طبية ووضع الإحصائيات النوعية ومن ثم تحليلها تحليلًا دقيقًا، كما يقع على عاتق القضاء العمل على الإحصائيات الخاصة بقضايا المسؤولية الطبية ودراستها ووضع حلول للإشكاليات القانونية المتعلقة بها، ويقع على عاتق كلٍ منهما إتاحة هذه الإحصائيات للباحثين والأكاديميين ليشاركوا في حل الإشكاليات المنبثقة من هذه المسائل، ولتكون توصياتهم أكثر دقة ومنفعة لتصحيح الأوضاع القائمة.

واعترافًا من المشرع بأهمية المعلومات والبيانات وضع تشريعًا خاصًا لهذه المسألة يتمثل في قانون الحق في الحصول على المعلومة المنظّم بالقانون رقم (9) لسنة 2022، وقد وضعت المادة (23) من هذا القانون عقوبة جنائية حماية لهذا الحق؛ إذ تنص على أنه “يُعاقب بالغرامة التي لا تزيد على (50,000) خمسين ألف ريال، كل مختص بتطبيق أحكام هذا القانون يرتكب أحد الأفعال التالية: 

1 – حجب أو امتنع عمدًا ودون مقتض، عن تقديم المعلومات المطلوبة وفقًا لأحكام هذا القانون. 

2 – قدم معلومات غير صحيحة مع علمه بذلك”.

وقد تم العمل بهذا القانون بتاريخ ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢ وكلف المشرع الجهات المخاطبة به بتوفيق أوضاعهم خلال سنة من العمل به، ما لم يصدر قرار من مجلس الوزراء بمد فترة توفيق الأوضاع.

ونأمل كباحثين ومتخصصين أكاديميين أن يسهم القانون في إتاحة البيانات والإحصائيات في جميع المجالات ومنها المجال الطبي، لكي نتمكن من وضع الإحصائيات الدقيقة التي تسهم بدورها في تطوير العمل المؤسسي بشكل عام وتحسين جودة الأعمال الطبية بشكل خاص.

ولا تنحصر الفائدة على الباحثين والأكاديميين فحسب، بل تستفيد من إتاحة هذه المعلومات جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وذلك في تطوير الأداء ورفع جودة الخدمات، وتقليل الأخطاء الإدارية والمهنية، فبدون هذه البيانات والإحصائيات لا يمكن لهذه الجهات تحديد المشاكل وتشخيصها ومن ثم وضع الحلول الملائمة لها.

ويدور نقاش قانوني حول مدى الحاجة إلى لجنة طبية متخصصة تحال إليها قضايا المسؤولية الطبية، لتبدي رأيها الفني قبل عرضها على القضاء، ويوجد مثل هذه اللجان في العديد من الدول المجاورة والبعيدة، كقانون المسؤولية الطبية الإماراتي وعدد من الولايات الأمريكية التي أنشأت مثل هذه اللجان لتقليل عدد الدعاوى بسبب الأخطاء الطبية.

وما نود التأكيد عليه أن هدف اللجنة عادة يتمثل في التقليل من أعداد دعاوى المسؤولية الطبية العبثية والكيدية، وأعداد الدعاوى في قطر ليست مثل أعدادها في ولاية إلينوي البتة. وبالتالي يتعين أولًا قبل إقرار وجود هذه اللجان من عدمه، الحصول على المعلومات اللازمة حول أعداد هذه الدعاوى، ومن ثم يمكن تقرير ما إذا كنا فعلًا بحاجة إلى هذه اللجنة أم لا!

فالحصول على المعلومة التي تتمثل في البيانات والإحصائيات هو ما يجعل التشريع يسير بالاتجاه الصحيح، ويكون أثره إيجابيًا ونتيجته في حل المشاكل القانونية أكثر فعالية، وبدون هذه المعلومات قد نقع في فخ التحيز ضد المرضى ولصالح الأطباء، بينما تتمثل وظيفة القانون في الموازنة بين حقوقهما. فإذا افترضنا أن أعداد الدعاوى بسيطة فإن اللجنة قد تقضي على هذه الأعداد مستقبلًا، بطول أمد التقاضي في دعاوى المسؤولية الطبية، وفقدان الثقة في الحصول على تعويض سريع يجبر الضرر، رغم أنها دعاوى حساسة لأنها تنطوي على ضرر جسدي قد يكون أصحابها متلهفين على تعويض يجبر ضررهم ويستعملونه في دفع نفقات العلاج.

والله من وراء القصد.

كيف يحمي الطبيب نفسه من الدعاوى القضائية؟

لا أحد يستفيد من عزوف الطلبة عن دراسة الطب والتخصص فيه خوفًا من المطالبات القضائية والدعاوى الكيدية أو العبثية، ذلك أن مهنة الطب أحد أهم المهن التي لا يمكن أن تستغني عنها البشرية، وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي “لا تسكن بلدًا لا يكون فيه عالم يفتيك عن دينك ولا طبيب ينبئك عن أمر بدنك”. والحقيقة أن كل مهني وكل شخص معرض للدعاوى الكيدية والعبثية؛ إذ إن مثل هذه الدعاوى لا ترتبط بمهنة الطب فحسب، بل ترتبط بكل شخص، إذ يفرض القانون على كل شخص واجب الحيطة والحذر في تصرفاته، وعدم الإضرار بالغير، فمن يرتكب خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض وفق القانون المدني القطري.

وتاريخيًا عانت مهنة الطب من العقوبات التي طالت أصحابها، وقد كان الطبيب الذي يرتكب خطأ طبيًا مهددًا بالقتل؛ ما أدى إلى عزوف كبير عن هذه المهنة الخطيرة، حتى تطورت التشريعات مع تطور علم الطب وتخلصه من تعاليم السحر والشعوذة في تلك الأزمنة.

أما في الوقت الحالي، فلكي تقوم المسؤولية المدنية يجب تحقق ثلاثة أركان هي: الخطأ والضرر وعلاقة السببية، فإذا ارتكب أي فرد خطأ ترتب عليه وقوع ضرر لأحد الأشخاص، وكان الضرر قد وقع بسبب الخطأ الذي ارتكبه الفرد، يمكن للمتضرر المطالبة بتعويض يجبر ضرره وما يهمنا من هذه الأركان الثلاثة هو ركن الخطأ؛ إذ تطبق الأحكام ذاتها على أخطاء الأطباء، غير أن ما يميز الخطأ الطبي أنه يقع على جسد المريض الذي يثق به، كما أن الخطأ يتميز بطبيعته الفنية التي يصعب فهمها من غير المختصين؛ ما يجعل هذه المسؤولية تمتاز عن غيرها بالعديد من الخصائص المميزة.

ولكن كيف يحمي الطبيب نفسه من ارتكاب خطأ طبي؟

تكمن الإجابة فيما يسمى بالأصول الثابتة في علم الطب أو “الأصول المستقرة في علم الطب”، والتي يجب على كل طبيب اتباعها، فإذا خالفها وترتب على ذلك وقوع ضرر للمريض تثور مسؤوليته المدنية، ويمكن في هذه الحالة أن يقوم المتضرر بمطالبة قضائية.

والأصول المستقرة في علم الطب هي الأسس والتقاليد والمدارس الطبية والأصول والنظريات التي قام الطبيب بدراستها والتدرب عليها قبل أن يمارس مهنة الطب، والتي يتفق عليها غالبية الأطباء. وهذه الأصول والتقاليد المهنية هي أهم أمر يجب على كل طبيب مراعاته؛ حيث لا يتدخل القضاء ويفرض التزامات أو تقاليد أخرى غير التي يلزم بها الأطباء أنفسهم، بخلاف المهن الأخرى، لحساسية مهنة الطب، ولأهميتها في المجتمع.

بيد أن هذه التقاليد والأصول الطبية ليست ثابتة أو راسخة، بل تعد مهنة الطب أحد أسرع المهن تطورا، فلا يخفى على القاصي والداني حجم التقدم الطبي الهائل خلال القرن الماضي؛ لذا يتعين على الطبيب أن يواكب هذا التطور، ويحدّث معلوماته، ويطور أساليبه، فقد قضي بمساءلة أطباء نتيجة استعمال الطبيب لوسيلة قديمة عفا عليها الزمن في العلاج. وتحرص بعض التشريعات على مواكبة الطبيب لما يستجد في الطب، وتربط تجديد الترخيص الطبي بضمان مواكبته للجديد، من خلال حضوره لمؤتمرات، وكتابة أوراق بحثية ونشرها، وحضوره دورات تدريبية، وغيرها من أمور.

أما في حالة رفع دعوى على الطبيب فيمكن له نفي المسؤولية عنه، من خلال إثبات بذله العناية اللازمة والصادقة وفق الأصول المستقر عليها في علم الطب، فإذا نجح في إثبات ذلك تنتفي عنه المسؤولية. كما يمكن له كذلك إثبات وقوع الضرر نتيجة لسبب أجنبي؛ أي يثبت بأن الضرر قد وقع بسبب المريض المتضرر نفسه، أو يثبت وجود سبب آخر للضرر الذي وقع للمريض وليس بسبب الخطأ المنسوب إليه.

وبذلك يمكن للطبيب أن ينفي عن نفسه المسؤولية الطبية إذا نجح بإثبات السبب الأجنبي الذي ينفي العلاقة السببية بين الخطأ والضرر.

وفي جميع الأحوال، يجب على الطبيب بذل العناية اللازمة والصادقة في سبيل شفاء المريض، وذلك وفق الأصول المستقرة في علم الطب، وعدم الخروج على تلك الأصول إلا في حالة وجود سبب علمي يبرر ذلك، أو عندما يعتبر الخروج عليها طريقة مختلفة في العلاج تعتنقها مدرسة طبية مقبولة ومعترف بها في علوم الطب.

ومع ذلك، لا يمكن القول بوجود وسيلة معينة تحمي الأطباء من الدعاوى الطبية تمامًا، غير أن المطلوب منهم توخي الحذر والحرص في أعمالهم، وبذل الجهود الصادقة التي ترمي إلى علاج المريض في سبيل شفاءه، فهو لا يلتزم بشفاء المريض بل يلتزم ببذل الجهود الكافية وفق الأصول الطبية المتعارف عليها، والالتزام بالتقاليد والأخلاقيات الطبية، وبذلك يوفر القانون حماية للأطباء حيث يصعب في أغلب الأحوال إثبات الخطأ الذي يتمثل في واقعة سلبية تتمثل في عدم بذل العناية اللازمة من قبل الطبيب، وهو خطأ يتميز بكونه خطأ فني لا يلم به غير الأطباء.

والله من وراء القصد.

توقيع المريض على ورقة إخلاء المسؤولية الطبية للطبيب!

قد تقوم إحدى الجهات الطبية بإلزام مريض بتوقيع نماذج عديدة قبل إجراء جراحة طبية، ويكون من بين هذه النماذج والأوراق إقرار منه بإخلاء مسؤولية المستشفى عن أية إصابات أو أضرار قد يتعرض لها المريض. فما حكم هذا الإجراء؟ وهل يمكن الاعتداد بها أمام القضاء لنفي مسؤولية مقدم الخدمة الطبية؟

ينظم القانون علاقات الأفراد في المجتمع ويوازن بين حقوق الأطراف، ويمنح الثقة للأطباء في مزاولة مهنتهم في مقابل إرساء الحماية للمريض؛ بحيث يكفل تعويضه عند تعرضه لضرر بسبب خطأ مقدم الخدمة الطبية.

وتنص المادة (١٩٩) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم (٢٢) لسنة ٢٠٠٤ على أن “كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”. وقد اعتبر القضاء القطري مسؤولية مقدم الخدمة الطبية مسؤولية تقصيرية؛ إذ يعد مسؤولًا عن عمل غير مشروع، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال المبادئ العديدة التي أرستها محكمة التمييز القطرية.

وبما أن القانون القطري يعتبر مسؤولية مقدم الخدمة الطبية مسؤولية تقصيرية، فلا يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية المدنية في المجال الطبي؛ إذ ينص البند الثالث من المادة (٢٥٩) من القانون المدني القطري على أنه “ويقع باطلاً كل اتفاق يبرم قبل قيام المسؤولية عن العمل غير المشروع، ويكون من شأنه أن يعفي منها كليًّا أو جزئيًّا”.

ووفق المادة السابقة، فإن القانون القطري يبطل أي اتفاق يعفي الطبيب من المسؤولية الناجمة عن خطئه، وإذا قام المريض بتوقيع إقرار بإخلاء الطبيب من مسؤوليته الطبية عن الأخطاء التي قد يرتكبها يكون الإقرار باطلًا ولا يعتد به أمام القضاء.

ويرى جانب من الفقه أن هذا الاتفاق غير جائز لتعلقه بالسلامة الجسدية؛ إذ لا يتصور أن يتفق المريض على جواز الإضرار بجسده، وبالتالي تكون مثل هذه الاتفاقات مخالفة للنظام العام؛ لأن حرمة الجسد من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على ما يخالف قواعده.

على أنه يجوز لمقدم الخدمة الطبية الاعتداد بورقة تفيد قيامه بالتبصير، عند توقيع المريض ورقة يقر فيها بقيام الطبيب بالتزامه بالتبصير، حيث تعد هذه الورقة دليلًا يمكن للطبيب تقديمه لإثبات قيامه بواجب التبصير بالعلاج المقترح والمخاطر التي تصاحب العمل الطبي والبدائل العلاجية الممكنة، وغيرها من أمور تتعلق بالتشخيص والعلاج، ذلك أن إخلال الطبيب بالالتزام بالتبصير قد يثير مسؤوليته المدنية في حالة وقوع ضرر ناجم عن إخلاله بواجب التبصير.

وينبغي للمريض أن يتأكد من قيام الطبيب بشرح وافٍ وسهل ومبسط للتشخيص والعلاج ومخاطر العلاج وأثر عدم مباشرة العلاج والبدائل العلاجية – إن وجدت – وغيرها من أمور تتعلق بالتدخل الطبي قبل قيامه بالتوقيع على إقرار طبي بعلمه لكل ما سبق؛ لأن توقيعه على مثل هذه الورقة دون قراءة متأنية قد يؤدي إلى ضياع حقوقه باعتباره راضيًا وعالمًا بالعلاج ومخاطره قبل تلقيه بخلاف الواقع، فعندما يدعي المريض عدم تبصيره أمام القضاء يمكن للطبيب تقديم الإقرار بالتبصير، ويصعب في أغلب الأحيان إثبات ما يخالف الكتابة في المحاكم.

والله من وراء القصد…

القانون والطب: ودّ ووئام أم كره وخصام؟

القانون والطب

ينبغي ألا يفهم أن القانون ناصب لواء العداء اتجاه مهنة الطب، أو أن العاملين بالمهن الطبية هدفًا مفضلًا للمحامين. بل على العكس تمامًا؛ إذ إن وظيفة القانون هي تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع، من خلال التشريعات، والمبادئ التي يرسيها القضاء، واللوائح التنظيمية التي تضعها الجهات الإدارية التي تنظم قطاع الصحة.

ويقوم القانون على سلامة الأفراد في المجتمع من خلال فرض واجب عام على الكافة، يتمثل في عدم الإخلال بالحيطة والحذر، فالإخلال بهذا الواجب قد يؤدي إلى وقوع ضرر لشخص آخر. فالقانون ينظم سلوك جميع الأفراد وجميع المهن، ومن هذه المهن مهنة الطب.

وكما هو معلوم فإن السلوك البشري يختلف من شخص لآخر، فقد يكون أحد الأشخاص مهملًا ومتهورًا وأرعنًا في جميع تصرفاته، ويكون أحدهم حريصًا أشد الحرص في سلوكه، وجميع المهن والوظائف تتضمن أفرادًا تتراوح تصرفاتهم ما بين الحرص والإهمال، ومن هذه المهن مهنة الطب، التي قد تتضمن الحريص والمهمل وما بينهما، بطبيعة الحال.

غير أن مهنة الطب لا تحتمل وجود الإهمال، ولا تطيقه، وتشجبه، وتدينه؛ لأنها تتعلق بحياة المريض، وحقه في سلامة جسده، من تصرفات هؤلاء المهملين.

وقد وضع القانون معيارًا عامًا لواجب الحرص يمثل الحد الأدنى الذي يجب ألا ينزل عنه معيار العناية، ويتمثل في معيار الشخص العادي، بيد أن ما يتوقع من الطبيب ليس كما يتوقع من الشخص العادي، لذا درج القضاء على قياس سلوك الطبيب بسلوك طبيب في مثل تخصصه ودرجته الوظيفية، فإن كان أخصائيًا يقاس بأخصائي مثله، وإن كان استشاريًا يقاس باستشاري في نفس تخصصه الطبي، فإذا تبين أن الاستشاري في مثل ظروفه سيسلك نفس السلوك الذي قام به الطبيب، فلا يعد مخطئًا، ويجب بذلك ألا يمثل ما ارتكبه الطبيب خروجًا عن الأصول المستقرة في علوم الطب.

ومع ذلك، فقد اعتبر القانون أن الطبيب لا يلتزم سوى ببذل عناية صادقة تقاس بالعناية يبذلها طبيب آخر في مثل تخصصه وظروفه الخارجية، ولو وقع ضرر للمريض، فإذا تبين أنه قد بذل العناية اللازمة، فلا يعد الطبيب مخطئًا في سلوكه، أما إذا أهمل ولم يبذل العناية اللازمة والتي تقاس بطبيب آخر في مستواه وتخصصه تثور مسؤوليته المدنية. وعلى ذلك فإن الطبيب لا يطالب بتحقيق نتيجة؛ إذ إنه لا يملك شفاء المريض، فهو لا يملك سوى العمل بالأسباب بمعالجته أو تخفيف ألمه، أما الشفاء فهو بيد الرحمن.

وذلك يعد تخفيفًا عن كاهل الأطباء في التزاماتهم بمناسبة أداء مهنتهم؛ حيث أن القانون يقر بأن الشفاء قد لا يكون ممكنًا في كل حين، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ما يحيط عمل الطبيب من احتماليات وافتراضات تسببها أسرار إلهية تحيط بجسد الإنسان، إذ تعتمد المهنة في كثير من الأحيان على الشك والتخمين ويغيب عنها الجزم واليقين. وبالتالي فإن اعتبار التزام الطبيب ببذل عناية يوفر حماية وطمأنينة للطبيب في ممارسته لعمله، مما يرسي التوازن المنشود بين حق المريض في سلامة جسده وحق الطبيب في ممارسة عمله بطمأنينة وثقة، وهذا الهدف المرجو من تنظيم القانون للأعمال الطبية.

والله من وراء القصد.

غزة والمجتمع الدولي .. عجز أم تواطئ

ألا يعلم المجتمع الدولي أن الشعوب لها الحق في تقرير المصير والمقاومة ورد العدوان، ألا يعلم هؤلاء أن حق المقاومة مكفول بموجب القانون الدولي وقد قررته اتفاقيتي لاهاي وجنيف الثالثة.

ألا يعلم هؤلاء أن القانون الدولي لا يجيز لإسرائيل أن تتذرع بحق الدفاع الشرعي في عدوانها، لكونها كيان محتل، ولا يمكنها الاستفادة من حق الدفاع الشرعي وفق قرارات محكمة العدل الدولية.

لماذا لا يُنظر إلى جرائم الاحتلال الغاشم القائمة منذ حوالي 75 سنة بأنها إرهاب، رغم ارتكابها جرائم الإبادة وقتل الأطفال الرضع والنساء والتهجير والفصل العنصري، فضلًا عن الاستمرار في إقامة المستوطنات والاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى وحصار محكم غير إنساني على قطاع غزة.

لا يمكن القول بأن المنظمات الدولية تقف عاجزة أمام الاعتداء الشنيع دون إجراء قانوني، بل هي متواطئة، وشريكة في هذا العدوان مع “سبق الإصرار والترصد”. مانراه في هذه الأيام إنما هو انحراف في البوصلة الأخلاقية للمجتمع الدولي الذي يطلق على المحتل والمعتدي صفة الضحية ويجعل المقاومة وردها لعدوان الاحتلال إرهابًا.

‏ما يزال أهل غزة صامدون وحدهم في مواجهة الآلة العسكرية العالمية، بعد أن تخلى عنهم الأقربون قبل الآخرين، ولا نملك سوى الدعاء لهم بالنصر والمؤازرة.

لا يواجهه أهل غزة الإبادة الجماعية فحسب، بل جُندت جيوش الإعلام الغربي الجرارة، التي ما فتئت تكرر عبارات الإدانة للمقاومة وتشبهها بصنيعتهم داعش، ولا يرضون إدانة الإرهاب الحقيقي الذي يمارسه الصهاينة منذ حوالي 75 سنة، وما تزال تكذب وتصدق كذبتها.

وفي المقابل، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في بروز فئة ليست قليلة ترفض الإبادة التي يمارسها الصهاينة، وترفض مواقف بلدانها المخيبة للآمال والأخلاق والقيم الإنسانية، وتفند أكاذيب الأعلام والساسة وتفضح مساعيهم.

خسارة الكيان الصهيوني للرأي العام العالمي يمثل هزيمة عظيمة لا يجب التقليل من شأنها، لما لها من آثار مادية ومعنوية، فقد ظهر أحدهم في الولايات المتحدة يرفض التصويت لأي مرشح للرئاسة يقدم وعودًا بمساندة إسرائيل، لأن الضرائب التي تفرض عليه تمنح في صورة مساعدات في موازنة اسرائيل سنويًا، لكي تقوم فيها بقتل الأطفال والأبرياء. كما برز غيرهم من دول غربية عديدة تطالب بوقف العدوان وإنهاء الحصار على غزة، فضلًا عن المظاهرات الضخمة التي اندلعت في الدول الأوروبية والولايات الأمريكية.

لذا وجب التأكيد على أهمية التحدث في وسائل التواصل الاجتماعي، والتأكيد على حق شعب فلسطين في تقرير مصيره بكل الوسائل المتاحة بما فيها المقاومة، لاستعادة أرضه وإقامة دولته من البحر إلى النهر، وهو ما يقره عليه القانون الدولي، كما أقر حق غيره حتى استعاد أرضه وأقام دولته.

‏وأخيرًا، فإن هذا الجسم الغريب الذي زُرع جبرًا في إقليم لا يمت له بصلة، لا في لغة ولا دين ولا ثقافة، سيرفضه جهاز مناعة المنطقة عاجلًا أم آجلًا، بيد أن التاريخ سيشهد على من خذل جاره، ولم يهب لمساندته، وتركه يعاني وحده مع عدو غاشم، لا يفرق بين طفل وبالغ ولا بين شيخ وشاب، ولا رجل وامرأة. وسيشهد كذلك على من وقف ضد أبناء شعبه ووافق على وصفهم بالإرهاب لتحقيق مآرب سياسية.

وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم..

نظام المساعدة القضائية في إطار القانون المدني

بحمد الله وتوفيقه تم نشر البحث أدناه في المجلة الدولية للقانون، ويمكنكم الإطلاع عليه من خلال الرابط أدناه:

اضغط هنا

رابط المقال

المسؤولية المدنية للشركات المنتجة للقاحات وأدوية فيروس كورونا المستجد (كوفيد-١٩)

بحمد الله وتوفيقه تم نشر البحث أدناه في المجلة الدولية للقانون، ويمكنكم الإطلاع عليه من خلال الرابط أدناه:

إضغط هنا

المسؤولية الطبية..ثقافة قبل أن تكون قانوناً

تحاول التشريعات ضمان نوع من التوازن الدقيق الصعب بين حقوق المرضى والأطباء، فمن ناحية تسعى إلى حماية الأطباء من الدعاوى الكيدية والعبثية، ومن ناحية أخرى تحاول حماية المرضى من إهمال وتقصير الأطباء.

بيد أن المريض هو الطرف الضعيف، وبالتالي هو أحوج بالعناية والحماية من الطبيب، فالمريض لا يمتلك المعرفة الفنية، وقد يكون غائباً عن الوعي في عملية جراحية، لا يعلم ماذا جرى له، ومالذي ارتكب بحقه.

إن الطبيب لا يلتزم بشفاء المريض حسبما تقتضي القواعد العامة في القانون، إنما يلتزم ببذل عناية تتمثل في بذل جهد حسب الأصول المستقرة في علم الطب.

وبطبيعة الحال فإن الأصول المستقرة في علم الطب لا يعلمها إلا الطبيب، التي تستغرق دراسته فيها حوالي سبع سنوات بين علوم نظرية وتطبيقية.

والعلوم الطبية تمتاز بالتطور المتسارع والمخاطر المتزايدة، التي يصعب البت فيها، لذا يعتمد القضاة في دعاوى المسؤولية الطبية على الأطباء الخبراء، ويكون المعيار هو معيار طبيب في نفس اختصاص ودرجة الطبيب المدعى عليه.

ولا تنحصر إشكاليات المسؤولية الطبية في صعوبة إثباتها، بل تتضمن عدم وجود ثقافة مجتمعية، كما يقول بعض الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية بأن الكثير من الناس لا يعتقد بأن مشكلته قانونية من الأساس، بل يعتقد بأنها حظ سيء أو ما كتبه القدر، الأمر الذي يجعله لا يلجأ إلى محامي من الأساس لبحث مشكلته القانونية.

إضافة إلى ما سبق فإن البعض لا يثق بالنظام القضائي لاقتضاء حقه، ذلك أن التأخر في اجراءات الدعاوى وصعوبة إثبات الخطأ تجعل العديد من الناس يعزفون عن اقتضاء حقهم.

ولا تقتصر الأسباب على ما ورد بل إن البعض لا يمتلك الموارد الكافية لرفع دعوى للمطالبة بحقه، فقد أصبح التقاضي مكلفاً مما يؤدي إلى عزوف شريحة كبيرة من الناس عن المطالبة بحقوقهم.

والقانون يبقى حبراً على ورق عندما لا يطبق، وإذا لم يقم الافراد بالمطالبة بحقوقهم فلن تكون هناك فرصة لنظر القاضي في القانون، ولن تسنح له الفرصة في تطبيق النص ووضع المبادئ القضائية.

والله من وراء القصد.

العدالة الوظيفية .. مطلب ضروري

تواجهه العدالة الوظيفية عدد لا بأس به من تحديات تفرزها عادات مجتمعية ومجاملات إدارية، مما يؤثر على أداء المتميزين والمجتهدين في الوظيفة الإدارية، الأمر الذي ينعكس سلباً على الاداء الوظيفي بشكل عام.

ويثير ذلك عدة تساؤلات أهمها مدى إمكانية ضبط العدالة الوظيفية لتحقق الجودة المؤسسية. في الواقع يمكن اعتبار المجاملات والحرج الوظيفي أكبر تهديد للعدالة الوظيفية، وذلك في عدة مجالات: أهمها التعيين على أساس الكفاءة، والتقييم السنوي، وجدية المقابلات الشخصية للتعيين وغيرها.

وتنص المادة (٢) من قانون الموارد البشرية الصادر بالقانون رقم (١٥) لسنة ٢٠١٦ على أنه “تقوم الجهة الحكومية بالاستثمار الأمثل للموارد البشرية المتاحة بما يحقق أهدافها، وتطوير القدرات الفردية لموظفيها، وتوفير بيئة عمل آمنة وعادلة ومحفزة على العطاء المتميز والإبداع والابتكار والتعاون، وإشراك موظفيها في تطوير أنماط العمل بها”.

ومن ضرورات تطوير الاداء الحكومي التعيين على أساس الكفاءة، فتنص المادة (٨) من قانون الموارد البشرية على أن يكون الاختيار على أساس الجدارة، ويمكن الاستدلال بذلك عن طريق المعدل التراكمي للمتقدم، والمقابلة الشخصية، ودراسة السيرة الذاتية، واجراء اختبارات للتأكد من كفاءة المتقدم في الكتابة والفهم والتحليل.

وجدير بالذكر أن أبرز التحديات التي تواجه العمل المؤسسي صورية المقابلات الشخصية التي تجرى للموظفين في اجراءات التوظيف وغيرها، فالمقابلات الشخصية تعتبر أفضل فرصة لدراسة شخصية المتقدم، ومعرفة مدى جديته وكفاءته وصلاحيته للعمل في المؤسسة، والاستثمار الأمثل لها يكون عن طريق توجيه أسئلة للمتقدم تتعلق بخلفيته الأكاديمية والمهنية، ويفضل أن تكون الأسئلة الأكاديمية دقيقة تدخل في تفاصيل دراسته والموضوعات المفضلة لديه، ومناقشته فيها ليتضح طرحه ومدى إلمامه فيها، وذلك للتأكد من جدية دراسته في ظل انتشار المؤسسات التعليمية التجارية التي لا يكون لها سوى تأثير طفيف ومخرجات متدنية.

وعلاوة على ما سبق، يجب توجيه استفسارات مهنية في حال امتلاك المتقدم لخبرات في المجال المهني، ويتعين أن تكون أجوبة المتقدم دقيقة في خبراته المهنية بحيث يظهر استيعابه لها، حتى تتمكن الجهة من معرفة جديته في العمل وتقييم كفاءته وجدارته.

ولعل أبرز الإشكاليات التي تواجه العمل المؤسسي هو الحرج في التقييم السنوي للموظف، مما يجعل الكثير من المسؤولين يقومون بمنح أعلى درجة لجميع موظفيهم، الأمر الذي يساوي بين المتميز فعلاً والمتكاسل عن أداء عمله، فالمساواة أحياناً تؤدي إلى الظلم الوظيفي، وتدعو المتميز إلى التكاسل، مما ينعكس على جودة أداء المؤسسة، ولا يحقق الهدف من التقييم السنوي الذي وضعه قانون الموارد البشرية في المادة (٣٤) وهو تحفيز الانجازات الفردية وتعزيز روح الفريق.

بالمقارنة مع الشركات الخاصة وشبه الحكومية، نجد أن عملية الترقية عملية صعبة، لا يمكن أن يجتازها سوى نسبة قليلة من المجتهدين فعلاً. ولا يمكن لهم اجتياز مقابلات القبول أو الترقيات سوى باختبارات ومقابلات عسيرة، لتفرز أفضل المتقدمين ولا تجعل للمتهاونين سبيلاً.

إن العدالة الوظيفية تقتضي الجدية والحسم من المسؤول ليستمر المُجِدُّ في عطاءه بحيث يتميز عن غيره من موظفين لا يمتلكون مهارات إدارية أو جدية في العمل، والبعد عن المجاملات والحرج الوظيفي قد يكون أهم وسيلة في التطوير الفعال للأداء المؤسسي.

والله من وراء القصد.